الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكتاب **
إذا كان اسم الأرض على ثلاثة أحرف خفيفةٍ وكان مؤنثا أو كان الغالب عليه المؤنث كعمان فهو بمنزلة: قدر وشمس ودعد. وبلغنا عن بعض المفسَّرين أن قوله عزَّ وجلَّ: " اهبطوا مصر " إنما أراد مصر بعينها. فإن كان الاسم الذي على ثلاثة أحرف أعجميَّا لم ينصرف وإن كان خفيفا لأن المؤنث في ثلاثة الأحرف الخفيفة إذا كان أعجمياً بمنزلة المذكَّر في الأربعة فما فوقها إذا كان اسما مؤنثاً. ألا ترى أنَّك لو سَّميت مؤنثَّا بمذكر خفيف لم تصرفه كما لم تصرف المذكَّر إذا سّميته بعناق فمن الأعجمَّية: حمص وجور وماه. فلو سميّت امرأة بشيء من هذه الأسماء لم تصرفها كما لا تصرف الرَّجل لو سميَّته بفارس ودمشق. وأمَّا واسطٌ فالتذكير والصرف أكثر وإنمَّا سمي واسطاً لأنه مكانٌ وسط البصرة والكوفة. فلو أرادوا التأنيث قالوا: واسطةٌ. ومن العرب من يجعلها اسم أرض فلا يصرف. ودابق الصرف والتذكير فيه أجود. قال الراجز وهو غيلان: ودابق وأين مِّني دابق وقد يؤنث فلا يصرف. وكذلك منيً الصرف والتذكير أجود وإن شئت أنّثت ولم تصرفه. وكذلك هجر يؤنث ويذكَّر. قال الفرزدق: منهنّ ايَّام صدق قد عرفت بها أيَّام فارس والأيام من هجرا فهذا أنت. وسمعنا من يقول: " كجالب التَّمر إلى هجر " يا فتى. وأمَّا حجر اليمامة فيذكَّر ويصرف. ومنهم من يؤنث فيجريه مجرى امرأةٍ سميِّت بعمروٍ لأن حجرا شيء مذكر سِّمي به المذكَّر. فمن الأرضين: ما يكون مؤنَّثا ويكون مذكَّرا ومنها مالا يكون إلا على التأنيث نحو: عمان والزّاب وإراب ومنها ما لا يكون إَّلا على التذكير نحو فلجٍ وما وقع صفة كواسط ثم صار بمنزلة زيد وعمرو وإنمَّا وقع لمعنىً نحو قول الشاعر: ونابغة الجعديُّ بالرَّمل بيته عليه ترابٌ من صفيح موضَّع أخرج الألف واللام وجعله كواسط. وأمَّا قولهم: قباء وحراء فد اختلفت العرب فيهما فمنهم من يذكّر ويصرف وذلك أنهَّم جعلوهما اسمين لمكانين كما جعلوا واسطاً بلداً أو مكانا. ومنهم من أنَّث ولم يصرف وجعلهما اسمين لبقعتين من الأرض. قال الشاعر جرير: ستعلم أينّا خير قديما ** وأعظمنا ببطن حراء نارا وكذلك أضاخ فهذا أنَّث وقال غيره فذكر. وقال العجاج: وربِّ وجهٍ من حراءٍ منحن وسألت الخليل فقلت: أرأيت من قال: قباء يا هذا كيف ينبغي له أن يقول إذا سمَّى به رجلاً قال: يصرفه وغير الصرف خطأ لأنَّه ليس بمؤنَّث معروف في الكلام ولكنَّه مشتق كجلاس وليس شيئاً قد غلب عليه عندهم التأنيث كسعاد وزينب. ولكه مشتقٌّ يحتمله المذكَّر ولا ينصرف في المؤنث كهجر وواسط. ألا ترى أنَّ العرب قد كفتك ذلك لمَّا جعلوا واسطا للمذكَّر صرفوه فلو علموا أنَّه شيء للمؤَّنث كعناق لم يصرفوه أو كان اسماً غلب التأنيث لم يصرفوه ولكنَّه اسم كغراب ينصرف في المذكَّر ولا في المؤنث فإذا سمّيت به الرجل فهو بمنزلة المكان. قلت: فإن سمَّيته بلسان في لغة من قال: هي اللسان قال: لا أصرفه من قبل أنَّ اللَّسان قد استقرّ عندهم حينئذ أنَّه بمنزلة: عناق قبل أن يكون اسماً لمعروف وقباء وحراء ليسا هكذا إنَّما وقعا علماً علماً على المؤنَّث والمذكّر مشتقين وغير مشتقّين في الكلام لمؤنَّث من شيء والغالب عليهما التأنيث فإنَّما هما كمذكر إذا وقع على المؤنَّث لم ينصرف. وأمَّا اللِّسان فبمنزلة اللذاذ واللذَّاذة يؤنِّث قوم ويذكّر آخرون. وما يضاف إلى الأب والأم أمَّا ما يضاف إلى الآباء والأمهات فنحو قولك: هذه بنو تميم وهذه بنو سلول ونحو ذلك. فإذا قلت: هذه تميم وهذه أسد وهذه سلول فإنَّما تريد ذلك المعنى غير أنَّك إذا حذفت المضاف تخفيفاً كما قال عزَّ وجلَّ: " واسأل القرية " ويطؤهم الطريق وأنَّما يريدون: أهل القرية وأهل الطريق. وهذا في كلام العرب كثير فلمَّا حذفت المضاف وقع عل المضاف إليه ما يقع على المضاف لأنه صار في مكانه فجرى مجراه. وصرفت تميماً وأسداً لأنّك لم تجعل واحداً منهما اسماً للقبيلة فصارا في الانصراف على حالهما قبل أن تحذف المضاف. ألا ترى أنَّك لو قلت: أسأل واسطاً كان في الانصراف على حاله إذا قلت: أهل واسط فأنت لم تغيّر ذلك المعنى وذلك التأليف إلاّ أنَّك حذفت. وإن شئت قلت: هؤلاء تميم وأسد لأنَّك تقول: هؤلاء بنو أسد وبنو تميم فكما أثبتَّ اسم الجميع ههنا أثبت هنالك اسم المؤنث يعني في: هذه تميم وأسد. فإن قلت: لم لم يقولوا: هذا تميم فيكون الفظ كلفظه إذا لم ترد معنى الإضافة حين تقول: جاءت القرية تريد: أهلها فلأنَّهم أرادوا أن يفصلوا بين الإضافة وبين إفرادهم الرجل فكرهوا الالتباس. ومثل هذا القوم هو واحد في اللفظ وصفته تجري على المعنى لا تقول القوم ذاهب. وقد أدخلوا التأنيث فيما هو أبعد من هذا أدخلوه فيما لا يتغيّر منه المعنى لو ذكرَّت قالوا: ذهبت بعض أصابعه وقالوا: ذهبت بعض أصابعه وقالوا: ما جاءت حاجتك. وقد بين أشباه هذا في موضعه. وإن شئت جعلت تميماً وأسدا اسم قبيلة في الموضعين جميعا فلم تصرفه. والدليل على ذلك قول الشاعر نبا الخزُّ عن روحٍ وأنكر جلده وعجّت عجيجاً من جذام المطارف وسمعنا من العرب من يقول للأخطل: فإن تبخل سدوس بدرهميها فإنَّ الريح طيَّبة قبول فإذا قالوا: ولد سدوسٌ كذا وكذا أو ولد جذامٌ كذا وكذا صرفوه: ومما يقويِّ ذلك أن يونس زعم: أنَّ بعض العرب يقول: هذه تميم بنت مرٍّ. وسمعناهم يقولون: قيس بنت عيلان وتميم صاحبة ذلك. فإنَّما قال: بنت حين جعله اسماً لقبيلة. ومثل ذلك قوله: باهلة بن أعصر فباهلة امرأةٌ ولكنَّه جعله اسماً للحيّ فجاز له أن يقول: ابن. ومثل ذلك تغلب ابنة وائلٍ. غير أنه قد يجيء الشيء يكون الأكثر في كلامهم أن يكون أباً وقد يجيء الشيء يكون الأكثر فإذا قلت: هذه سدوس فأكثرهم يجعله اسماً للقبيلة. وإذا قلت: هذه تميمٌ فأكثرهم يجعله اسماً للأب. وإذا قلت: هذه جذام فهي كسدوس. فّإذا قلت: من بني سدوسٍ فالصرف لأنَّك قصدت قصد الأب. وأمّا أسماء الأحياء فنحو: معدٍّ وقريشٍ وثقيفٍ. وكلُّ شيء لا يجوز لك أن تقول فيه: من بني فلان ولا هؤلاء بنو فلان فإنمَّا جعله اسم حيّ فإن قلت: لم تقول هذه ثقيفٍ فإنهم إنما أرادوا: هذه جماعة ثقيف أو هذه جماعة فإنهم إنما أرادوا: هذه جماعة ثقيف أو هذه جماعة من ثقيف ثم حذفوها ههنا كما حذفوا في تميمٍ. ومن قال: هؤلاء جماعة ثقيف قال: هؤلاء ثقيف. فإن أرادت الحيَّ ولم ترد الحرف قلت: هؤلاء ثقيف كما تقول: هؤلاء قومك والحيّ جينئذٍ بمنزلة القوم فكينونة هذه الأشياء للأحياء أكثر. وقد تكون تميمٌ اسماً للحيّ. وإن جعلتها اسماً للقبائل فجائز حسن ويعني قريش وأخواتها. قال الشاعر: غلب المساميح الوليد سماحةً ** وكفى قريش المعضلات وسادها وقال: علم القبائل من معدَّ وغيرها أنّ الجواد محمَّد بن عطارد ولسنا إذا عدَّ الحصي بأقلةٍ وإنّ معدَّ اليوم مودٍ ذليلها وقال: وأنت أمرؤٌ من خير قومك فيهم وأنت سواهم في معدَّ مخيَّر وقال زهير: تمدُّ عليهم من يمينٍ واشملٍ بحورٌ ** له من عهد عاد وتبعَّا وقال: لو شهد عاد في زمان ** عاد لا بتزَّها مبارك الجلاد وتقول: هؤلاء ثقيف بن قسيّ فتجعله اسم الحيّ وتجعل ابن وصفاً كما تقول: كلٌّ ذاهبٌ وبعض ذاهب فهذه الأشياء إنمَّا هي آباء والحدُّ فيها أن تجري ذلك المجرى وقد جاز فيها ما جاز في قريشٍ إذا كانت جمعاً لقوم. قال الشاعر فيما وصف به الحيُّ ولم يكن جمعا: بحيٍّ نميريٍّ عليه مهابةٌ ** جميعٍ إذا كان اللئّام جنادعا وقال: سادوا البلاد وأصبحوا في آدمٍ ** بلغوا بها بيض الوجوه فحولا فجعله كالحي والقبيلة. فأما ثمود وسبأ فهما مرّةً للقبيلتين ومرّةً للحيين وكثرتهما سواءٌ. وقال تعالى: " وعاداً وثموداً " وقال تعالى: " ألا إنَّ ثموداً كفروا ربَّهم " وقال: " وآتينا ثمود النَّاقة مبصرةً " وقال: " وأمَّا ثمود فهديناهم " وقال: " لقد كان لسبأٍ في مساكنهم " وقال " من سبأٍ بنبأٍ يقين " وكلن أبو عمرٍ ولا يصرف سبأ يجعله اسماً للقبيلة. وقال الشاعر: من سبأ الحاضرين مأرب ** إذ يبنون من دون سيله العرما وقال في الصرف للنابغة الجعدي: أضحت ينفرها الوالدان من سبأٍ ** كأنّهم تحت دفيًّها دحاريج كما أنّ عمان لم يقع إَّلا اسما لمؤنث وكان التأنيث هو الغالب عليها وذلك: مجوس ويهود. قال امرؤ القيس: أحار أريك برقاً هب وهنا كنار مجوس تستعر استعارا وقال: أولئك أولي من يهود بمدحه إذا أنت يوماً قلتها لم تؤنَّب فلو سميّت رجلاً بمجوس لم تصرفه كما لا تصرفه إذا سميّته بعمان. وأما قولهم: اليهود والمجوس فانما أدخلوا الألف واللام ههنا كما أدخلوها في المجوسّ واليهوديّ لأنهم أرادوا اليهوديِّين والمجوسِّيين ولكنهم حذفوا ياءي الإضافة وشبهوا ذلك بقولهم: زنجيٌّ وزنجٌ إذا أدخلوا الألف واللام على هذا فكأنك أدخلتها على: يهودِّيين ومجوسييِّن وحذفوا ياءي الإضافة وأشباه ذلك. فإن أخرجت الألف واللام من المجوس صار نكرة كما أنك لو أخرجتها من المجوسييِّن صار نكرة. وأما نصاري فنكرة وإنمَّا نصاري جمع نصران ونصرانةٍ ولكنهَّ لا يستعمل في الكلام إلاّ بباءي الإضافة إلا في الشعر ولكنهم بنو الجميع على حذف الياء كما أن ندامى جمع ندمان والنَّصاري ههنا بمنزلة: النصرانييِّن. ومما يدلّك على ذلك قول الشاعر. صدَّت كما صدَّ عمَّا لا يحلُّ له ساقي نصاري قبيل الفصح صوّام فوصفه بالنكرة وإنمَّا النَّصاري جماع نصران ونصرانةٍ. والدليل على ذلك قول الشاعر: فكلتاهما خرَّت وأسجد راسها كما سجدت نصرانةٌ لم تحنَّف فجاء على هذا كما جاء بعض الجميع على غير ما يستعمل واحداً في الكلام نحو: مذاكير وملامح.
تقول: هذه هود كما ترى إذا أردت أن تحذف سورة من قولك: هذه سورة هود فيصير هكذا كقولك هذه تميم كما ترى. وإن جعلت هوداً اسم السورة لم تصرفها لأنَّها تصير بمنزلة امرأة سمّيتها بعمرو. والسُّور بمنزلة النسِّاء والأرضين. وإذا أردت أن تجعل اقتربت اسماً قطعت الألف كما قطعت ألف إضرب حين سمَّيت به الرجل حتَّى يصير بمنزلة نظائره من الأسماء: نحو إصبع. وأمّا نوح بمنزلة هودٍ تقول: هذه نوح إذا أردت أن تحذف سورة من قولك: هذه سورة نوح. ومما يدلُّك على أن ّك حذفت سورةً قولهم: هذه الرَّحمن. ولا يكون هذا أبداً إلاّ وأنت تريد: سورة الرَّحمن. وقد يجوز أن تجعل نوح اسماً ويصير بمنزلة امرأة سمّيتها بعمرو إن جعلت نوح اسماً لها لم تصفره. وأمَّا حم فلا ينصرف جعلته اسماً لسورة أو أضفته إليه لأنَّهم أنزلوه بمنزلة اسم أعجمي نحو: هابيل وقابيل. وقال الشاعر: وهو الكميت: وجدنا لكم في آل حاميم آية ** تأوَّلها منّا تقيٌّ ومعرب وقال الحمَّاني: وكذلك: طاسين وياسين. واعلم أنه لا يجيء في كلامهم على بناء: حاميم وياسين وإن أردت في هذا الحكاية تركته وقفاً على حاله. وقد قرأ بعضهم: " ياسين والقرآن " و " قاف والقرآن ". فمن قال هذا فكأنّه جعله اسما أعجميّا ثم قال: أذكر ياسين. وأمّا صاد فلا تحتاج إلى أن تجعله اسما أعجميّا لأنَّ هذا البناء والوزن من كلامهم ولكنَّه يجوز أن يكون اسما للسُّورة فلا تصرفه. ويجوز أيضاً أن يكون ياسين وصاد اسمين غير متمكنين فيلزمان الفتح كما ألزمت الأسماء غير المتمكّنة الحركات نحو: كيف وأين وحيث وأمس. وأمّا طسم فإن جعلته اسما لم يكن بدٌّ من أن تحرَّك النون وتصيَّر ميما كأنك وصلتها إلى طاسين فجعلتها اسما واحداً بمنزلة دراب جرد وبعل بكَّ. وإن شئت حكيت وتركت السواكن على حالها. وأما كهيعص والمر فلا يكنَّ إلاَّ حكاية. وإن جعلتها بمنزلة طاسين لم يجز لأنهم لم يجعلوا طاسين كحضرموت ولكنهم جعلوها بمنزلة: هابيل وقابيل وهاروت. وإن قلت: أجعلها بمنزلة: طاسين ميم لم يجز لأنَّك وصلت ميماً إلى طاسين ولا يجوز أن وإن قلت: أجعل الكاف والهاء اسماً ثم أجعل الياء والعين اسماً فإذا صارا اسمين ضممت أحدهما إلأى الآخر فجعلتها كاسم واحدا لم يجز ذلك لأنَّه لم يجيء مثل حضرموت في كلام العرب موصولا بمثله. وهذا أبعد لأنك تريد أن تصله بالصاد. فإن قلت: أدعه على حاله وأجعله بمنزلة إسماعيل لم يجز لأنَّ إسماعيل قد جاء عدة حروف على عدّة حروف أكثر العربية نحو: اشهيباب. وكهيعص ليس على عدّة خروفه شيء ولا يجوز فيه إلاَّ الحكاية. وأما نون فيجوز صرفها في قول من صرف هنداً لأن النون تكون أنثى فترفع وتنصب. ومما يدلُّ على أن حاميم ليس من كلام العرب أنّ العرب لا تدري ما معنى حاميم. وإن قلت: إنَّ لفظ حروفه لا يشبه لفظ حروف الأعجمي فإنّه قد يجيء الاسم هكذا وهو أعجمي قالوا: قابوس ونحوه من الأسماء. التي تستعمل وليست ظروفاً ولا أسماءً غير ظروف ولا أفعالا فالعرب تختلف فيها يؤنثها بعض ويذكِّرها بعض كما أن اللَّسان يذكَّر ويؤنَّث زعم ذلك يونس وأنشدنا قول الراجز: فذكَّر ولم يقل: طاسمةً. وقال الراعي: كما بيِّنت كاف تلوح وميمها فقال: بيِّنت فأنّث وأما إنَّ وليت فحرّكت أواخرهما بالفتح لأنَّهما بمنزلة الأفعال نحو كان فصار الفتح أولى فإذا صيّرت واحداً من الحرفين اسماً للحرف فهو ينصرف على كلّ حال. وإن جعلته اسماً للكلمة وأنت تريد بلغة من ذكر لم تصرفها كما لم تصرف امرأة اسمها عمرو وإن سمّيتها بلغة من أنّث كنت بالخيار. ولا بدَّ لكلِّ واحدٍ من الحرفين إذا جعلته اسماً أن يتغيّر عن حاله التي كان عليها قبل أن يكون اسما كما أنَّك إذا جعلت فعل اسما تغيّر عن حاله وصار بمنزلة الأسماء وكما أنَّك إذا سمَّيته بافعل غيرته عن حاله في الأمر. قال الشاعر: وهو أبو طالب: ليت شعري مسافر بن أبي عم ** رو وليت يقولها المحزون وسألت الخليل عن رجل سمَّيته أنَّ فقال: هذا أنَّ لا أكسره وأنَّ غير إنَّ: إنَّ كالفعل وأنَّ كالاسم. ألا ترى أنَّك تقول: علمت أنك منطلق فمعناه: علمت انطلاقك ولو قلت هذا لقلت لرجل يسمَّى بضارب: يضرب ولرجل يسمّى يضرب: ضارب. ألا ترى أنَّك لو سميته بإن الجزاء كان مكسورا وإن سميته بأن التي تنصب الفعل كان مفتوحاً. وأما لو وأو فهما ساكنتا الأواخر لأن قبل آخر كل واحدٍ منهما حرفا متحركا فإذا صارت كلُّ واحدة منهما اسماً فقصتّها في التأنيث والتذكير والانصراف كقصة ليت وإنَّ إلاَّ أنَّك تلحق واواً أخرى فتثقل وذلك لأنَّه ليس في كلام العرب اسم آخره واو قبلها حرف مفتوح. قال الشاعر أبو زبيد: ليت شعري وأين منِّي ليت إن ** ليتاً وإنَّ لوا عناء وقال: ألام على لوٍّ ولو كنت عالماً بأذناب لوٍّ لم تفتني أوائله وكان بعض العرب يهمز كما يهمز النؤور فيقول: لوء. وإنَّما دعاهم إلى تثقيل لوٍّ الذي يدخل الواو من الإجحاف لو نوَّنت وما قبلها متحرّك مفتوح فكرهوا أن لا يثقِّلوا حرفاً لو انكسر ما قبله أو انضمَّ ذهب في التنوين ورأوا ذلك إخلالاً لو لم يفعلوا. فممَّا جاء فيه الواو وقبله مضموم: هو فلو سمَّيت به ثقَّلت فقلت: هذا هوٌّ وتدع الهاء مضمومة لأنَّ أصلها الضمُّ تقول: هما وهم وهنَّ. ومما جاء وقبله مكسور: هي فإن سمّيت به رجلاً ثقلّته كما ثقلّت هو. وإن سمّيت مؤنثاً بهو لم تصرفه لأنه مذكّر. ولو سمّيت رجلاً ذو لقلت: هذا ذواً لأن اصله فعلٌ. إلا ترى أنك تقول: هاتان ذواتا مالٍ. فهذا دليلٌ على أن ذو فعلٌ كما أنَّ أبوان دليل على أن أباً فعلٌ. وكان الخليل يقول: هذا ذوٌّ بفتح الذال لأنَّ أصلها الفتح تقول: ذوا وتقول: ذوو. وأمَّا كي فتثقَّل ياؤها لأنهّ ليس في الكلام حرف آخره ياء ما قبله مفتوح. وقصَّتها كقصَّة لوّ. وأمَّا في فتثقَّل ياؤها لأنهَّا لو نوّنت أجحف بها اسماً. وهي كياء هي وكواو هو وليس في الكلام اسم هكذا ولم يبلغوا بالأسماء هذه الغاية أن تكون في الوصل لا يبقى منها إَّلا حرف واحد فإذا كانت اسماً لمؤنّث لا ينصرف ثقّلت أيضاً لأنه إذا اثر أن يجعلها اسماً فقد لزمها أن تكون نكرة وان تكون اسماً لمذكَّر فكأنَّهم كرهوا أن يكون الاسم في التذكير والنكَّرة على حرف كما كرهوا أن يكون كذلك في الوصل. وليس من كلامهم أن يكون في الانصراف والوصل على بناء وفي غير الانصراف والوصل على آخره فصار الاسم لغير منصرف يجيء على بنائه إذا كان اسماً لمنصرف ومن ثمَّ مدَّوا لا وفي في الانصراف وغير الانصراف والتأنيث والتذكير ككي ولو وقصتها كقصتَّهما في كل شيء. وإذا صارت ذا اسماً أو ما مدَّت ولم تصرف واحداً منهما إذا كان اسم مؤنث لأنهما مذكران. فأمَّا لا فتمدهُّا وقصتها قصَّة في في التذكير والتأنيث والانصراف وتركه. وسألته عن رجل اسمه: فو فقال: العرب قد كفتنا أمر هذا لما أفردوه قالوا: فمٌ فأبدلوا الميم مكان الواو حتَّى يصير على مثال تكون الأسماء عليه فهذا البدل بمنزلة تثقيل لوًّ ليشبه الأسماء فإذا سميتَّه بهذا فشبهه بالأسماء كما شبهت العرب ولو لم يكونوا قالوا: فم لقلت: فوه لأنَّه من الهاء قالوا: أفواه كما قالوا سوط و أسواط. وأما البا والتا والثا واليا والحا والخا والرا والطا والظا والفا فإذا صرن أسماء فهنّ مددن كما مدت لا مدت إلا أنهن إذا كن أسماء يجرين مجرى رجل ونحوه و يكنَّ نكرةً بغير ألف ولام. ودخول الالف واللام فيهنَّ يدلك على أنهن نكرة إذا لم يكن فيهن ألف ولام فأحريت هذه الحروف مجرى ابن مخاضٍ وابن لبونٍ وأجريت الحروف الاول مجرى سامّ ابرص وأمّ حبين ونحوهما. ألا ترى أن الألف واللام لا تدخلان فيهن. واعلم أن هذه الحروف إذا تهجّيت مقصورةٌ لأنها ليست بأسماء وإنمَّا جاءت في الَّتهجيَّ على الوقف. ويدلك على ذلك: أن القاف والصاد والدال موقوفة الأواخر فلولا أنهَّا على الوقف حرّكت أواخرهن. ونظير الوقف ههنا الحذف في الباء وأخواتها. وإذا أردت أن تلفظ بحروف المعجم قصرت وأسكنت لأنك لست تريد أن تجعلها أسماء ولكنك أردت أن تقطع حروف الاسم فجاءت كأنها أصواتٌ يصوت بها إّلا أَّنك تقف عندها لأنها بمنزلة عه. فإن قلت ما بالي أقول: واحد اثنان فأشمُّ الواحد ولا يكون ذلك في هذه الحروف فلأنًّ الواحد اسم متمكّن وليس كالصوت وليست هذه الحروف مما يدرج وليس أصلها الإدراج وهي ههنا بمنزلة لا في الكلام إَّلا أنهَّا ليست تدرج عندهم وذلك لأنّ لا في الكلام على غير ما هي عليه إذا كانت اسما. وزعم من يوثق به: أنهَّ سمع من العرب من يقول: ثلاثة أربعة طرح همزة أربعة على الهاء ففتحها ولم يحوّلها تاءً لأنهَّ جعلها ساكنة والساكن لا يتغير في الإدراج تقول: اضرب ثم تقول: اضرب زيدا. واعلم أنَّ الخليل كان يقول: إذا تهجَّيت فالحروف حالها كحالها في المعجم والمقَّطع تقول: لام ألف وقاف لام. قال: تكتبّان في الطريق لام ألف وأمَّا زاي ففيها لغتان: فمنهم من يجعلها في التهجي ككي ومنهم من يقول: زاي فيجعلها بزنة واو وهي أكثر. وأمَّا أم ومن وإن ومذ في لغة من جرّ وأن وعن إذا لم تكن ظرفا ولم ونحوهن إذا كنَّ أسماءً لم تغيرَّ لأنَّها تشبه الأسماء نحو: يدٍ ودمٍ تجريهنَّ إن شئت إذا كن أسماءً للتأنيث. وأمّا نعم وبئس ونحوهما فليس فيهما كلامٌ لأنهما لا تغيران لأنَّ عامّة الأسماء على ثلاثة أحرف. ولا تجريهن إذا كن أسماءً للكلمة لأنَّهن أفعال والأفعال على التذكير لأنهَّا تضارع فاعلاً. واعلم أنك إذا جعلت حرفاً من حروف المعجم نحو: البا والتا وأخواتهما اسماً للحرف أو للكلمة أو لغير ذلك جرى مجرى لا إذا سمّيت بها تقول: هذا باءٌ كما تقول: هذا لاءٌ فاعلم. اعلم أنَّك إذا سميّت كلمة بخلف أو فوق أو تحت لم تصرفها لأنهَّا مذكَّرات. ألا ترى انّك تقول: تحيت ذاك وخليف ذاك ودوين ذاك. ولو كنّ مؤنّثاتٍ لدخلت فبهن الهاء كما دخلت في قد يديمةٍ ووريئّةٍ. وكذلك قبل وبعد تقول: قبيل وبعيد. وكذلك أين وكيف ومتى عندنا لأنَّها ظروف وهي فيعندنا على التذكير وهي الظروف بمنزلة ما ومن في الأسماء فنظيرهنَّ من الأسماء غير الظروف مذكّر. والظروف قد تبيَّن لنا أن أكثرها مذكّر حيّث حقّرت فهي على الأكثر وعلى وكذلك إذ هي كالحين وبمنزلة ما هو جوابه وذلك متى. وكذلك ثمَّ وهنا هما بمنزلة أين وكذلك حيث وجواب أين كخلف ونحوها. وأمّا أمام فكلُّ العرب تذكَّره. أخبرنا بذلك يونس. وأمّا إذا ولدن فكعند ومثلهن عن فيمن فال: من عن يمينه. وكذلك منذ في لغة من رفع لأنهَّا كحيث. ولو لم تجد في هذا الباب ما يؤكّد التذكير لكان أن تحمله على التذكير أولى حتىَّ يتبينّ لك أنه مؤنّث. وأمّا الأسماء غير الظروف فنحو بعض وكلّ وأيّ وحسب. ألا ترى أنَّك تقول: أصبت حسبي من الداء. وقط كحسب وإن لم تقع في جميع مواقعها. ولو لم يكن اسماً لم تقل: قطك درهمان فيكون مبنيّا عليه كما أنَّ علي بمنزلة فوق وإن خالفتها في أكثر الواضع. سمعنا من العرب من يقول: نهضت من عليه كما تقول: نهضت من فوقه. واعلم أنهَّم إنمَّا قالوا: حسبك درهمٌ وقطك درهمٌ فأعربوا حسبك لانهَّا أشد تمكنّا. ألا ترى أنهَّا تدخل عليها حروف الجرّ تقول: بحسبك وتقول: مررت برجلٍ حسبك فتصف به. وقط لا تمكَّن هذا التمكَّن. واعلم أنَّ جميع ما ذكرنا لا ينصرف منه شيءٌ إذا كان اسماً للكلمة وينصرف جميع ما ذكرنا في المذكّر إلاّ أن وراء وقدّام لا ينصرفان لأنهَّما مؤنثّان. وأمّا ثمَّ وأين وحيث ونحوهنّ إذا صيرن اسماً لرجل أو امرأة أو حرفٍ أو كلمة فلا بد لهنَّ من أن يتغيرّن عن حالهنَّ ويصرن بمنزلة زيد وعمرو لأنَّك وضعتهن بذلك الموضع كما تغيرّت ليت وإنَّ. فإن أردت حكاية هذه الحروف تركتها على حالها قال: " إنّ الله ينهاكم عن قيل وقال " ومنهم من يقول: عن قبل وقالٍ لماّ جعله اسماً. قال ابن مقبل: أصبح الدهر وقد ألوي بهم غير تقوالك من قيلٍ وقال و القوافي مجرورة. قال: ولم أسمع به قيلاً وقالا وفي الحكاية قالوا: مذشبَّ إلى دبَّ وإن شئتٍّ: مذشبٍّ إلى دب: وتقول إذا نظرت في الكتاب: هذا عمروٌ وإنمَّا المعنى هذا اسم عمرو وهذا ذكر عمروٍ ونحو هذا إّلا أنَّ هذا يجوز على سعة الكلام كما تقول: جاءت القرية. وإن شئت قلت: هذه عمروٌ أي هذه الكلمة اسم عمرو كما تقول: هذه ألفٌ وأنت تريد هذه الدراهم الفٌ. وإن جعلته اسماً للكلمة لم تصرفه وإن جعلته للحرف صرفته. وأبو جادٍ وهوّازٌ وحطّيٌّ كعمروٍ وفي جميع ما ذكرنا وحال هذه الأسماء حال عمروٍ. وهي أسماءٌ عربيّة وأمَّا كلمن وسعفص وقريشيات فإنهنَّ أعجمية لا ينصرفن ولكنهَّن يقعن مواقع عمروٍ وفيما ذكرنا إّلا أنَّ قريشيات بمنزلة عرفاتٍ وأذرعاتٍ. فإمَّا الألف وما دخلته الألف واللام فإنمَّا يكنَّ معارف بالألف واللام كما أنَّ الرجل لا يكون معرفة بغير ألف ولام. كما جاء المذكّر معدولاً عن حدّه نحو: فسق ولكع وعمر وزفر وهذا المذكّر نظير ذلك المؤنّث. فقد يجيء هذا المعدول اسماً للفعل واسماً للوصف المنادّى المؤنّث كما كان فسق ونحوه المذكّر وقد يكون اسماً للوصف غير المنادى وللمصدر ولا يكون إلاَّ مؤنّثاً لمؤنّث. وقد يجيء معدولاً كعمر ليس اسماً لصفة ولا فعلٍ ولا مصدرٍ. أمّا ما جاء اسماً للفعل وصار بمنزلته فقول الشاعر: مناعها من إبل مناعها ألا ترى الموت لدى ارباعها تراكها من إبل تراكها ألا ترى الموت لدى أوراكها وقال أبو النجم: وقال رؤبة: نظار كي أركبها نظار ويقال: نزال أي انزل. وقال زهير: ولنعم حشو الدّرع أنت إذا دعيت نزال ولجَّ في الذَّعر ويقال للضَّبع: دباب أي دبّي. قال الشاعر: نعاء ابن ليلى للسمَّاحة والنَّدى ** وأيدي شمالٍ باردات الأنامل وقال جرير: نعاء أبا ليلى لكلّ طمرةٍ وجرداء مثل القوس سمحٍ حجولها فالحدّ في جميع هذا أفعل ولكنه معدول عن حده وحرك آخره لأنه لا يكون بعد الألف ساكن. وحرّك بالكسر إنَّ الكسر مما يؤنّث به. تقول: إنّك ذاهبة وأنت ذاهبة وتقول: هاتي هذا للجارية وتقول: هذي أمة الله واضر. إذا أردت المؤنّث وإنَّما الكسرة من الياء. ومما جاء من الوصف منادّى وغير منادّى: يا خباث وبالكاع. فهذا اسم للخبيثة وللَّكعاء ومثل ذلك قول الشاعر النابغة الجعدي: فقلت لها عيثي جعار وجرِّري ** بلحم امرىء لم يشهد اليوم ناصره وإنَّما هو اسم للجاعرة وإنَّما يريد بذلك الضَّبع. ويقال لها: فثام لأنَّها تقثم أي تقطع. وقال الشاعر: لحقت حلاق بهم على أكسائهم ** ضرب الرِّقاب ولا يهمُّ المغنم فحلاق معدول عن الحالقة وإنَّما يريد بذلك المنيّة لأنها تحلق. وقال الشاعر مهلهل: ما أرجّى بالعيش بعد ندامى ** قد أراهم سقوا بكأس حلاق فهذا كلّه معدول عن وجهه وأصله فجعلوا آخره كآخر ما كان للفعل لأنَّه معدول عن اصله كما عدل: نظار وحذار وأشباههما عن حدّهن وكلهن مؤنّث فجعلوا بابهنَّ واحدا. فإن قلت: ما بال فسق ونحوه لا يكون جزما كما كان هذا مكسورا فإنَّما ذلك لم يقع في موضع الفعل فيصير بمنزلة: صه ومه ونحوهما فيشبَّه ها هنا به في ذلك الموضع. وإنَّما كسروا فعال ها هنا لأنَّهم شبّهوها بها في الفعل. ومما جاء اسماً للمصدر قول الشاعر النابغة: إنّا اقتسمنا خطَّتينا ** بيننا فحملت برّة واحتملت فجار ففجار معدول عن الفجرة. وقال الشاعر: فقال أمكثي حتَّى يسار لعلنا ** نحجُّ معاُ قالت: أعاماً وقابله فهي معدولة عن الميسرة. وأجرى هذا الباب مجرى الذي قبله أنه عدل كما عدل ولأنَّه مؤنّث بمنزلته. وقال الشاعر الجعديّ: وذكرت من لبن المحلَّق شربةً ** والخيل تعدو بالصعَّيد بداد فهذا بمنزلة قوله: تعدو بدداً إَّلا أنَّ هذا معدولٌ عن حدّه مؤنثّا. وكذلك عدلت عليه مساس. والعرب تقول: أنت لا مساس ومعناه لا تمسنُّي ولا أمسُّك. ودعني كفاف فهذا معدول عن مؤنّث وإن كانوا لم يستعملوا في كلامهم ذلك المؤنّث الذي عدل عنه بداد وأخواتها. ونحو ذا في كلامهم. ألا تراهم قالوا: ملامح ومشابه وليالٍ فجاء جمعه على حدِّ ما لم يستعمل في الكلام لا يقولون: ملمحة ولا ليلاة. ونحو ذا كثير. قال الشاعر الملتمس: جماد لها جماد ولا تقولي ** طوال الدهر ما ذكرت حماد فهذا بمنزلة جموداً ولا تقولي: حماد عدل عن قوله: حمداً لها ولكنه عدل عن مؤنّث كبداد. وأمّا ما جاء معدولاً عن حدّه من بنات الأربعة فقوله: قالت: له ريح الصَّبا قرقار فإنَّما يريد بذلك قال له: قرقر بالرَّعد للسَّحاب وكذلك عرعار وهو بمنزلة قرقار وهي لعبة واعلم أنَّ جميع ماذكرنا إذا سميّت به امرأةً فإنَّ بني تميم ترفعه وتنصبه وتجريه مجرى اسمٍ لا ينصرف وهو القياس لأنَّ هذا لم يكن اسماً علما فهو عندهم بمنزلة الفعل الذي يكون فعال محدوداً عنه وذلك الفعل افعل لأن فعال لا يتغّير عن الكسر كما أنَّ افعل لا يتغير عن حال واحدة. فإذا جعلت افعل اسماً لرجل أو امرأة تغَّير وصار بمنزلة الأسماء فينبغي لفعال التي هي معدولة عن افعل أن تكون بمنزلة بل هي أقوى. وذلك أنَّ فعال اسمٌ للفعل فإذا نقلته إلى الإسم إلى شيء هو مثله والفعل إذا نقلته إلى الاسم إلى الاسم نقلته إلى الاسم نقلته إلى شيء هو منه أبعد. وكذلك كلّ فعال إذا كانت معدولة عن غير افعل إذا جعلتها اسماً لأنَّك إذا جعلتها علماً فأنت لا تريد ذلك المعنى. وذلك نحو حلاق التي هي معدولة عن الحالقة وفجار التي هي معدولة عن الفجرة وما أشبه هذا. ألا ترى أنَّ بني تميم يولون: هذه قطام وهذه حذام لأنَّ هذه معدولة عن حاذمة وقطام معدولة عن قاطمة أو قطمة وإنمَّا كل واحدةٍ منهما معدولةٌ عن الاسم هو علم ليس عن صفة كما أن عمر معدول عن عامرٍ علماً لا صفةً. لولا ذلك لقلت: هذا العمر تريد: العامر. وأمّا أهل الحجاز فلمّا رأوه اسماً لمؤنّث ورأوا ذلك البناء على حاله لم يغيِّروه لانَّ البناء واحد وهو ههنا اسم للمؤنّث كما كان ثمَّ اسماً للمؤنث وهو ههنا معرفة كما كان ثمَّ ومن كلامهم أن يشبهٍّوا الشيء بالشيء وإن لم يكن مثله في جميع الأشياء. وسترى ذلك إن شاء الله ومنه ما قد مضى. فأمّا ما كان آخره راءً فإنَّ أهل الحجاز وبني تميم فيه متفّقون ويختار بنو تميم فيه لغة أهل الحجاز كما اتفقوا في يرى والحجازيّة هي اللغة الأولى القدمى. فزعم الخليل: إن إجناح الألف أخفُّ عليهم يعني: الإمالة ليكون العمل من وجهٍ واحد فكرهوا ترك الخفّة وعلموا أنهَّم إن كسروا الراء وصلوا إلى ذلك وأنهَّم إن رفعوا لم يصلوا. وقد يجوز أن ترفع وتنصب ما كان في آخره الراء. قال الأعشى: ومرَّ دهرٌ على وبار فهلكت جهرةً وبار والقوافي مرفوعة. فممّا جاء وآخره راءٌ: سفار وهو اسم ماء وحضار وهو اسم كوكب ولكنَّهما مؤنثان كماويّة والشِّعري كأنَّ تلك اسم الماءة وهذه اسم الكوكبة. وممّا يدلَّك على أن فعال مؤنّثة قوله: دعيت نزال ولم يقل دعي نزال وأنهم لا يصرفون رجلا سموه رقاش وحذام ويجعلونه بمنزلة رجل سموه يضق وأعلم أن جميع ما ذكر في هذا الباب من فقال ما كان منه بالراء وغير ذلك إذا كان شيء منه اسماً لمذكر لم ينجزّ أبدا وكان المذكر في هذا بمنزلته إذا سمّي بعناقٍ لأنَّ هذا البناء لا يجيء معدولاً عن مذكّر فيشبَّه به. تقول: هذا حذام ورأيت حذام قبل ومررت بحذام قبل سمعت ذلك ممن يوثق بعلمه. وإذا كان جميع هذا نكرةً انصرف كما ينصرف عمر في النكرة لأنَّ ذا لا يجيء معدولاً عن نكرة. ومن العرب من يصرف رقاش وغلاب إذا سمّي به مذكَّرا لا يضعه على التأنيث بل يجعله اسماً مذكرّا كأنه سمّي رجلاً بصباح. وإذا كان الاسم على بناء فعال نحو: حذامٍ ورقاش لا تدري ما اصله أمعدولٌ أم غير معدول أم مؤنّث أم مذكّر فالقياس فيه أن تصرفه لأنَّ الأكثر من هذا البناء مصروف غير معدولٍ مثل: الذَّهاب والصَّلاح والفساد والربَّاب. واعلم أنّ فعال جائزة من كل ما كان على بناء فعل أو فعل أو فعل ولا يجوز من أفعلت لأنا لم نسمعه من بنات الأربعة إلاَّ أن تسمع شيئاً فتجيزه فيما سمعت ولا تجاوزه. فمن ذلك: قرقار وعرعار. واعلم أنَّك إذا قلت: فعال وأنت تأمر امرأةً أو رجلاً أو أكثر من ذلك أنَّه على لفظك إذا كنت تأمر رجلاً واحداً. ولا يكون ما بعده إلاّ نصباً لان معناه افعل كما أنَّ ما بعد افعل لا يكون إلاّ نصباً. وإنما منعهم أن يضمروا في فعال الاثنين والجميع والمرأة لأنهَّ ليس بفعل وإنما هو اسمٌ في معنى الفعل. واعلم أن فعال ليس بمطّرد في الصفات نحو: حلاق ولا في مصدر نحو: فجار وإنَّما يطّرد هذا الباب في النداء وفي الأمر. وذلك: ذا وذي وتا وألا وألاء وتقديرها أولاع. فهذه الأسماء لما كانت مبهمة تقع على كلّ شكل شيء وكثرت في كلامهم خالفوا بها ما سواها من الأسماء في تحقيرها وغير تحقيرها وصارت عندهم بمنزلة لا وفي نحوها وبمنزلة الأصوات نحو: غاق وحاء. ومنهم من يقول: غاقٍ وأشباهها فإذا صار اسماً عمل فيه ما عمل بلا لأنَّك قد حوّلته إلى تلك الحال كما حولت لا. وهذا قول يونس والخليل ومن رأينا من العلماء إلاّ أنكّ لا تجري ذا اسم مؤنّث لأنه مذكّر إلاّ في قول عيسى فإنهّ كان يصرف امرأة سميتّها: بعمرو. وأمّا آلاء فتصرفه اسم رجل وترفعه وتجّره وتنصبه وتغيّره كما غيرّت هيهات لو سميّت رجلاً به وتصرفه لأنّه ليس فيه شيء مما لا ينصرف به. وأمّا ألا فبمنزلة: هدًي منوَّنا وليس بمنزلة: حجا ورمي لأنَّ هذين مشتقّان وألا ليس بمشتقّ ولا معدولا وإنَّما ألا وآلاء بمنزلة: البكا والبكاء إنمَّا هما لغتان. وأمَّا الذي فإذا سميّت به رجلا أو بالتّي أخرجت الألف واللام لأنك تجعله علماً له ولست تجعله ذلك الشيء بعينه كالحارث ولو أردت ذلك لأثبتّ الصلة. وتصرفه وتجربه مجري عمٍ. وأمّا اللائي واللاتي فبمنزلة: شآتي وضاري وتحرج منه الألف واللام. ومن حذف الياء رفع وجرَّ ونصب أيضاً لأنه بمنزلة الباب. فمن أثبت الياء جعلها بمنزلة قاضي وقال فيمن قال: اللاء ولاء لأنه يصيرها بمنزلة بابٍ حرف الأعراب العين وتخرج الألف واللام هاهنا كما أخرجتهما في الذي وكذلك: ألا في معنى الذين بمنزلة: هديٍ. وسألت الخليل: عن ذين اسم رجل فقال: هو بمنزلة رجلين ولا أغيِّره لأنه لا يختلُّ الاسم لأن يكون هكذا. وسألته: عن رجل سمَّي بأولي من قوله: نحن أولو قوَّةٍ وأولو بأسٍ شديد أو بذوي فقال: أقول فلا اعني بذلك أسفليكم ولكني أريد به الذوينا قلت: فإذا سميّت رجلا بذي مالٍ هل تغيره قال لا ألا تراهم قالوا: ذو يزنٍ منصرف فلم يغيّروه كأبي فلانٍ فذا من كلامهم مضاف لأنهَّ صار المجرور منتهى الاسم وأمنوا التنوين وخرج من حال التنوين حيث أضفت ولم يكن منتّهى الاسم واحتملت الإضافة ذا كما احتملت أبازيدٍ وليس مفردٌ آخره هكذا فاحتملته كما احتملت الهاء عرقوةٌ. وسألته عن أمسٍ اسم رجل فقال: مصروفٌ لأن أمس ليس هاهنا على الحد ولكنَّه لما كثر في كلامهم وكلن من الظروف تركوه على حالٍ واحدة كما فعلوا ذلك باين وكسروه كما كسروا غاق إذ كانت الحركة تدخله لغير إعراب كما أنَّ حركة غاق لغير إعراب. فإذا صار اسماً لرجل انصرف لأنكَّ قد نقلته إلى غير ذلك الموضع كما أنكَّ إذا سميّت بغلق صرفته. فهذا يجري مجرى هذا كما جرى ذا مجرى لا. واعلم أنَّ بني تميم يقولون في موضع الرفع: ذهب أمس بما فيه وما رأيته مذ أمس فلا يصرفون في الرَّفع لأنهم عدلوه عن الأصل الذي هو عليه في الكلام لا عن ما ينبغي له أن يكون عليه في القياس. ألا ترى أنَّ أهل الحجاز يكسرونه في كلّ المواضع وبنو تميم يكسرونه في أكثر المواضع في النصب والجر فلمّا عدلوه عن أصله في الكلام ومجراه تركوا صرفه كما تركوا صرف آخر حين فارقت أخواتها في حذف الألف واللام منها وكما تركوا صرف سحر ظرفاً لأنه إذا كان مجروراً أو مرفوعاً أو منصوبا غير ظرف لم يكن معرفةً إلا وفيه الألف واللام أو يكون نكرةً إذا أخرجتا منه فلمّا صار معرفةً في الظرف بغير ألف ولام خالف في هذه المواضع وصار معدولاً عندهم كما عدلت أخر عندهم. فتركوا صرفه في هذا الموضع كما ترك صرف أمس في الرفع. وإن سميّت رجلاً بأمس في هذا القول صرفته لأنهَّ لا بد لك من أن تصرفه في الجرّ والنصب لأنهّ في الجّر والنصب مكسورٌ في لغتهم فإذا انصرف في هذين الموضعين انصرف في الرَّفع لأنك تدخله في الرفع وقد جرى له الصَّرف في القياس في الجرّ والنصب لأنكَّ لم تعدله عن أصله في الكلام مخالفاً للقياس. ولا يكون أبداً في الكلام اسمٌ منصرف في الجرّ والنصب ولا ينصرف في الرفع. وكذلك سحر اسم رجل تصرفه وهو في الرجل أقوى لانه لا يقع ظرفاً ولو وقع اسم شيء وكان ظرفاً. صرفته وكان كأمس لو كان أمس منصوبا غير ظرف مكسورٍ كما كان. وقد فتح قوم أمس في مذ لمّا رفعوا وكانت في الجرّ هي التي ترفع شَّبهوها بها. قال: لقد رأيت عجباً مذ أمسا عجائزاً مثل السَّعالي خمسا وهذا قليل. وأمّا ذه اسم رجل فأنَّك تقول: هذا ذهٌ قد جاء والهاء بدل من الياء في قولك ذي أمة الله كما أنّ ميم فمٍ بدلٌ من الواو. والياء التي في قولك: ذهي أمة الله إنمّا هي ياءٌ ليست من الحرف وإنما هي لبيان الهاء. فإذا صارت اسماً لم تحتج إلى ذلك لمّا لزمتها الحركة والتنوين والدَّليل على ذلك أنَّك إذا سكت: ذه. وسمعنا العرب الفصحاء يقولون: ذه أمة الله فيسكنون الهاء في الوصل كم يقولون: بهم في الوصل. وذلك لأنهَّا لا تضاف ولا تصرَّف تصرَّف غيرها ولا تكون نكرة. وذاك: أين ومتى وكيف وحيث وإذ وإذا وقبل وبعد. فهذه الحروف وأشباهها لمّا كانت مبهمة غير متمكّنة شبِّهت بالأصوات وبما ليس باسمٍ ولا ظرف. فإذا التقى في شيء منها حرفان ساكنان حركوا الآخر منهما. وإن كان الحرف الذي قبل الآخر متحرَّكا أسكنوه كما قالوا: هل وبل وأجل ونعم وقالوا: جير فحرّكوه لئّلا يسكن حرفان. فأمّا ما كان غايةً نحو: قبل وحيث فإنَّهم يحرّكونه بالضمّة. وقد قال بعضهم: حيث شبهَّوه بأين. ويدلَّك على أن قبل وبعد غير متمكنّين انه لا يكون فيهما مفردينٍ ما يكون فيهما مضافين لا تقول: قبل وأنت تريد أن تبني عليها كلاما ولا تقول: هذا قبل كما تقول: هذا قبل العتمة فلمّا كانت لا تمكَّن وكانت تقع على كلّ شبهّت حين بالأصوات وهل وبل لأنهَّا ليست متمكنة. وجزمت لدن ولم تجعل كعند لأنَّها لا تمكن في الكلام تمكّن عند ولا تقع في جميع مواقعه فجعل بمنزلة قط لأنها غير متمكنّة. وكذلك قط وحسب إذا أردت ليس إلاَّ وليس إَّلا وليس إَّلا ذا. وذا بمنزلة قطُّ إذا أردت الزمان لماّ كنّ غير متمكنّات فعل بهنَّ ذا. وحركوا قطُّ وحسب بالضمّة لأنهمَّا غايتان. فحسب للانتهاء وقط كقولك: منذ كنت. وأمّا لد فهي محذوفةً كما حذفوا يكن. ألا ترى أنَّك إذا أضفت إلى مضمر رددته إلى الأصل تقول: من لدنه ومن لدنّي فإنمَّا لدن كعن. وسألت الخليل عن معكم ومع لأيِّ شيء نصبتها فقال: لأنَّها استعملت غير مضافة أسماً كجميع ووقعت نكرة وذلك قولك: جاءا معاً وذهبا معاً وقد ذهب معه ومن معه صارت ظرفاً فجعلوها بمنزلة: أمام وقداَّم. قال الشاعر فجعلها كهل حين اضطرّ وهو الراعي: وريشي منكم وهواي معكم ** وإن كانت زيارتكم لماما وأمّا منذ فضمّت لأنهَّا للغاية ومع ذا أنّ من كلامهم أن يتبعوا الضمَّ الضمَّ كما قالوا: ردُّ يافتى. وسألت الخليل عن من عل هلاّ جزمت اللام فقال: لأنهَّم قالوا: من علٍ فجعلوها بمنزلة المتمكّن فأسبه عندهم من معالٍ فلمّا أرادوا أن يجعل بمنزلة قبل وبعد حرَّكوه كما حرّكوا أوَّل فقالوا: ابدأ بهذا أوَّل كما قالوا: يا حكم أقبل في النداء لأنهَّما لمّا كانت أسماءً متمكنةً كرهوا أن يجعلوها بمنزلة غير المتمكنة فلهذه الأسماء من التمكن ماليس من التمكن ما ليس لغيرها فلم يجعلوها في الإسكان بمنزلة غيرها وكرهوا أن يخلوا بها. وليس حكم و أوَّل ونحوهما كالذَّي ومن لأنهَّا لا تضاف ولا تتم اسماً ولا تكون نكرةً ومن أيضاً لا تتم اسماً في الخبر ولا تضاف كما تضاف أيٌ ولا تنوَّن كما تنوَّن أيٌّ. وجميع ما ذكرنا من الظروف التي شبهّت بالأصوات ونحوها من الأسماء غير الظروف إذا جعل شيء منها اسماً لرجل أو امرأة تغيَّر كما تغيَّر لو وهل وبل وليت كما فعلت ذلك بذا وأشباهها لأنّ ذا قبل أن تكون اسما خاصّاً كمن في أنهَّ لا يضاف ولا يكون نكرةً فلم يتمكّن تمكُّن غيره من الأسماء. وسالت الخليل عن قولهم: مذ عامٌ أوَّل ومذ عامٍ أوَّل فقال: أوَّل ههنا صفة وهو أفعل من عامك ولكنَّهم ألزموه هنا الحذف استخفافاً فجعلوا هذا الحرف بمنزلة أفضل منك. وقد جعلوه اسماً بمنزلة أفكّلٍ وذلك قول العرب: ما تركت له أولاً ولا آخراً وأنا أوَّل منه ولم يقل رجلٌ أوَّل منه فلمَّا جاز فيه هذان الوجهان أجازوا أم يكون صفةً وأن يكون اسماً. وعلى أيّ الوجهين جعلته اسماً لرجل صرفته اسماً في النكرة. وإذا قلت عامٌ أوَّل فإنما جاز هذا الكلام لأنك تعلم به أنك تعني العام الذي يليه عامك كما أنَّك إذا قلت أوَّل من أمس أو بعد غدٍ فإنمَّا تعني الذي يليه أمس والذي يليه غدٌ. وأمّا قولهم: ابدأ به أوَّل وابدأ بها أوَّل فإنمَّا تريد أيضاّ أوَّل من كذا ولكن الحذف جائز جيدِّ كما تقول: أنت أفضل وأنت تريد من غيرك. إلاَّ أن الحذف لزم صفة عامٍ لكثرة استعمالهم إيّاه حتى استغنوا عنه. ومثل هذا في الكلام كثير. والحذف يستعمل في قولهم: ابدأ به أوَّل اكثر. وقد يجوز أن يظهروه إلا أنهَّم إذا أظهروه لم يكن إلا الفتح. وسألته عن قول بعض العرب وهو قليل: مذ عامٌ أوّل فقال: جعلوه ظرفاً في ها الموضع فكأنه قال: مذ عامٌ قبل عامك. وسألته عن قوله: زيد أسفل منك فقال: هذا ظرف كقوله عزّ وجلّ: " والرَّكب أسفل منكم " كأنه قال: زيدٌ في مكان أسفل من مكانك. ومثل الحذف في أوَّل لكثرة استعمالهم إيّاه قولهم: لا عليك. فالحذف في هذا الموضع كهذا. ومثله: هل لك في ذلك ومن له في ذلك ولا تذكر له حاجة ولا لك حاجة ونحو هذا أكثر من أن يحصى قال يا ليتها كانت لإهلي إبلاً أو هزلت في جدب عام أولاً يكون على الوصف والظرف. وسألته عن قوله: من دونٍ ومن فوقٍ ومن تحتٍ ومن قبلٍ ومن بعدٍ ومن دبرٍ ومن خالف فقال: أجروا هذا مجرى الأسماء المتمكنّة لأنهَّا تضاف وتستعمل غير ظرف. ومن العرب من يقول: من فوق ومن تحت يشبهّه بقبل وبعد. وقال أبو النجم: أقبٌّ من تحت عريضٌ من عل وقال آخر: لا يحمل الفارس إلاَّ الملبون المحض من أمامه ومن دون وكذلك من أمام ومن قدّامٍ ومن وراءٍ ومن قبلٍ ومن دبرٍ. وزعم الخليل أنّهنّ نكراتٌ كقول أبي النجم: يأتي لها من أيمنٍ وأشمل وسألنا العرب فوجدناهم يوافقونه ويجعلونه كقولك: من يمنةٍ وشأمةٍ وكما جعلت ضحوةٌ نكرة وبكرة معرفة. وأمّا يونس فكان يقول: من قدّام ويجعلها معرفة وزعم أنهَّ منعه من الصرف أنهَّا مؤنثّة. ولو كانت شأمةٌ كذا لما صرفها وكانت تكون معرفةً. وهذا مذهبٌ إلاّ أنهَّ ليس يقوله أحدٌ من العرب. وسألنا العلويّين والتمَّيميّين فرأيناهم يقولون: من قد يديمةٍ ومن ورئيِّةٍ لا يجعلون ذلك إلاَّ نكرة كقولك: صباحاً ومساءً وعشيّةً وضحوةً. فهذا سمعناه من العرب. وتقول في النصب على حدّ قولك: من دون ومن أمامٍ: جلست أماماً وخلفاً كما تقول يمنةً وشأمةً. قال الجعدي. لها فرطٌ يكون ولا تراه أماماً من معرسَّنا وودنا وسألته عن قوله: جاء من أسفل يا فتى فقال: هذا افعل من كذا وكذا كما قال عزّ وجلّ: " إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم ". وسألته عن هيهات اسم رجل وهيهاة فقال: أمّا من قال: هيهاة فهي عنده بمنزلة علقاة. والدليل على ذلك أنَّهم يقولون في السكوت: هيهاه. ومن قال: هيهات فهي عنده كبيضاتٍ. ونظير الفتحة في الهاء الكسرة في التاء فإذا لم يكن هيهات ولا هيهاة علماً لشيء. فهما على حالهما لا يغيرَّان عن الفتح والكسر لأنهَّما بمنزلة ما ذكرنا مماَّ لم يتمكّن. ومثل هيهاة ذيَّة إذا لم يكن اسماً وذلك قولك: كان من الأمر ذيَّة وذيَّة فهذه فتحةٌ كفتحة الهاء ثمَّ وذلك أنهَّا ليست أسماءً متمكنِّاتٍ فصارت بمنزلة الصَّوت. فإن قلت: لم تسكن الهاء في ذيةَّ وقبلها حرف متحرّك فإنَّ الهاء ليست ههنا كسائر. الحروف ألا ترى أنهَّا تبدل في الصلة تاءً وليست زائدة في الاسم فكرهوا أن يجعلوها بمنزلة ما هو في الاسم ومن الاسم وصارت الفتحة أولى بها لأنّ ما قبل هاء التأنيث مفتوح أبداً فجعلوا حركتها كحركة ما قبلها لقربها منه ولزوم الفتح وامتنعت أن تكون ساكنة كما امتنعت عشر في خمسة عشر لأنهَّا مثلها في أنهَّا منقطعة من الأوَّل ولم تحتمل أن يسكن حرفان وأن يجعلوهما كحرف. ونظير هيهات وهيهاة في اختلاف اللغتين قول العرب: استأصل الله عرقاتهم واستأصل الله عرقاتهم بعضهم يجعله بمنزلة عرسٍ وعرساتٍ كأنك قلت: عرقٌ وعرقان وعرقاتٌ. وكلاًّ سمعنا من العرب. ومنهم من يقول: ذيت فيخفِّف ففيها إذا خففّت ثلاث لغات: منهم من يفتح كما فتح بعضهم حيث وحوث ويضمّ يعضهم حيث وحوث ويضمّ بعضهم كما ضمّتها العرب ويكسرون أيضاً كما أولاء لأنَّ التاء الآن إنمَّا هي بمنزلة ما هو من نفس الحرف. وسالت الخليل عن شتّان فقال: فتحها كفتحة هيهاة وقصتها في غير المتمكن كقصّتها ونحوها ونونها كنون سبحان زائدةٌ. فإن جعلته اسم رجل فهو كسبحان.
|